إنما يُمسك الإنسانَ قوتان: قدرةٌ يمضي بها فيدرك فيطمئنّ, أو صبرٌ يقعد به فيعجز فيطمئن؛ ولكنه متى امتُحِنَ بشيءٍ لا يقدر عليه, وهو مع ذلك لا يصبر عنه, فقد وضعه الله من ثَمَّةً في حالةٍ لا إنسانيةٍ ولا وحشيةٍ ولا دونهما ولا فوقَهما؛ إذ يسلِّط عليه كلَّ القُوى التي في داخله, تدفعه بأشدِّ العنفِ إلى القوى المحيطةِ به, ويُغْري المحيطةَ به ترميه إلى التي في داخله؛ فما أنْ يزالُ مرتطمًا بين هذه وتلك وكأنه لشدَّة وَقْعهِما يُحطَّم تحطيمًا بين مِطْرقتين!وهذه البليةُ من العذاب لا تتَّفق إلا في أشدّ ما يكره الإنسان حين لا يجد الإنسان منه مفرّا, ولا يُطيق عليه مَقرّا, وفي أشدِّ ما يحبّ حين لا يقدر إلى حدِّ اليأس ولا يصبر إلى حدّ الجنون, وأحسب ما في الأرض منتحرٌ قط أزهق روحَه ـ إن لم يكن مجنونًا ـ إلا وهو في إحدى هاتين الحالتين؛ فإن وجدتَ من يُثبِّته الله على حالةٍ منهما وجدته كالبقيّة من الحريق: إن لم تكن احترَقتْ وذهبت فقد
احترقت وبقيت!
مصطفى صادق الرافعي