فرط الرمان يا جدة
من جذور تركية هي .. وملامحها لم تكن تشبه اى ممن اعرف من الأشخاص حتى اليوم .. كانت دوما تسدل وشاحا ابيض شفاف ناعم من اعلي رأسها ينحدر حتى أسفل وسطها بقليل .. حينما كانت تقوم وتغدو هنا وهناك تحتار اطرافه بين الأركان تسقط عليها من فيض روحها
..عبقا من امن ومحبة وتقوى
أمام بيتها كانت توجد شجرة رمان ,, تقول جدتى انها بكريتها .. تحبها كطفلتها التي لا تكبر أبدا ,, وهى تقارب عمر الجدة ايضا .. اختصت بينعها الأحباب و الأقارب و المعارف وكانت بعيدا عن الشجرة تعشق الرمان عشقا خاصا .. وتقول انه مبارك .. هو من طعام أهل الجنة
..وكانت توصيني حين اجلس معها نفصص رؤوس الرمان ألا اسقط أيا من حباته
!..اسأل ولما يا جدة انه ينزلق ,, بل يقفز هاربا من يدي
تبسمت وقالت .. إن جمعت الفصوص كلها فى طبق واحد دخلتي الجنة
هكذا كانت تعتقد
،،..وهكذا كانت تأخذ لبى وأنا مشدوهة فتظل تحكى وتحكى عن الجنة
أرأيتها يا جدة ؟ -
ان نظرتي لحب الرمان رأيتى الجنة-
فغدوت أحب الرمان .. قشره ورؤوسه ولونه وطعمه ورائحته وشجره وورقه وبالتأكيد كانت شجرة الرمان بكرية جدتى لها عشق
.. خاص فى قلبي
كانت مغرية بعودها السارح وورقها الوارف وريحها الطيب وفاكهتها المباركة
فكانت ملاذا لعاشقين _ربما _.يقصدانها .وقت ظهيرة يقفان يتحدثان وكأنما الكون كله هو عيناه وعيناها وظلال شجرتنا
! وقفت أتأملهم من نافذة البيت وكنت قد خطوت نحو عالم المراهقة بثقة المقبل على جنة وحسرة المدبر عن جنة أيضا ربما
جاءت جدتى فضبطتني أشاهدهم وأنا نشوانة
!! وضبطتهم يستندان الى خصر بكريتها فصاحت فيهم ثائرة لاعنة إياهم ان جعلوا عذرائها شاهدة على وقفتهم المحبة
سألت .. ولما يا جدة ؟!! ,, خلقت أوراق الأشجار لنستظل بها
نظرت لي طويلا وقالت .. ان شاهدهما الرمان فرط ! .. أتريدين ان ينفرط الرمان ؟
انه طعام أهل الجنة احقا ذلك ما تريدين ؟
.لا يا جده لا -
.. فلتعاهديني -
.. أعاهدك يا جدة -
لا تفرطي فى شجرة الرمان ,, ولا تفرطي الرمان أرضا -
أعاهدك يا جدة -
وذهبت الجدة ذاك الحضن الأبيض الذي كان يلفني فيدثرني بياضه بل كان يجعل كل ما حولي ابيض ... يجعل حتى داخلي ابيض حتى اننى أكاد اقسم ان دمى أيضا كان ابيض
والأبيض لون مرهق وشديد الحساسية,, فهو ان داخله خيط من لون أخر فضحه على الفور وهكذا أنا عند وصولى لمرحلة
،، الجامعة
،، داهمتني ألوان من كل صوب .. جميلة هي الألوان حقا مبهجة
، وأنا أحب الألوان
.. اقترب زميل منى ينظرني وأنا اخط لونا هادئا على لوحة للسماء
فقال ما بال لو اضفتى لها لونا أكثر جرأة الحياة ليست بهذا الهدوء الذي يعترى لوحاتك
قلت وماذا يكون ؟
قال لما لا تجربي لون الرمان ؟
همست جدتى,, لا تفرطي حب الرمان
تلفت حولي ابحث عنها ارتدت عيناي تواجهه مرة أخرى وعلى شفتيه ابتسامة وعلى خده الأيسر شامة على هيئة رمانة ! اقترب منى فى سرعة ليضيف ألوان أكثر جرأة وأكثر حدة أيهما اقوى .. ابحث عن لون ابيض .. خيط واحد اتشبث به عيناه تخترقني يعرف فيما أفكر فيلوى ذراع افكارى ومقاومتي ليملكني الانهيار
..تهمس جدتى ,, لا تفرطي حب الرمان تركته وجريت بعيدا لا أرى احد سوى طيف من وشاح جدتى الأبيض يمر بطرف عيناي أمد يداي إليه فيهرب
،، وجدتني أمام بيت جدتى أخيرا أواجه شجرة الرمان يستند الى خصرها حبيبان
اصرخ فيهما ابتعدا ينظران الى باستغراب
اقتربت منها فاشتممت ريح الرمان ولم تواتني الجرأة على لمسها فقد أهملتها منذ زمان ,, بعد ان غشيتنى الألوان
تحت أصيص الصبار يوجد مفتاح للبيت فتحته ودخلت روح الجدة فى الأركان لون البيضات البيضاء فى كل مكان اعتلته طبقة من التراب الجدة جالسة عند المشربية تقرأ سورة الرحمن
أنادى, على استحياء لا ترد
ضيعت العهد يا جدة
لازال هناك وقت لاسترجاع ما كان فتحت كل المشربيات وبدأت بهمة وبصبر أراها معي
تنظر فى لوم .. قلت وانا أعيد ترتيب السرير,, سأظل هنا ..الامتحانات على الأبواب وانا أحب المكان هنا فاتنى الكثير وأود استجماع اكبر كم مما فات
رويت شجرة الرمان امتلأ خصرها بأسهم وقلوب مشوهة رديئة المنحنيات
كم اوجعنى منظرها
.. سأعوضها عما كان,, البكرية العذراء,, ابتسم..خالتي
سلك التليفون ساقط و الحرارة غير موجودة.. صعدت أعلى البيت أحاول إصلاحه انهمكت فى عملي .. وإذا بى اسمع صرخة مدوية
كان عمال من هيئة تعنى بأمور البيئة قد قطعوا جذور شجرة الرمان وجدتها تتهاوى وهى تطلق أنين امتد الى روحي يمزق ما تبقى فيها اصطدمت بالأرض فى قوة اهتزت لها جدران البيت وجرت بعض ثمرات الرمان هنا وهناك وقد تفسخت وتحرر حباته نحو أسفلت الطريق تدهسه الأقدام تارة أو تلتقطه بعض أياد صغيرة .. نقية بيضاء .. تارة أخرى
دارت بى الدنيا وطنت اذناى بشدة واختلجت قدماي فوق السلم ليميل واسقط من عل فأبصرت المشربية تعانق وجه جدتى وهى ما بين الابتسام والدموع تئن
همست لها عذرا جدتى سامحيني .. فرط الرمان يا جدة
نوور قصاقيص