اجتهدت خلال السنة الأولى في دراسة الطب بشكل كبير جدا كانت الفرصة الوحيدة حتى اثبت للجميع أني استحق أن أكون في الطب البشري بجدارة وان اللجنة بقيادة المجرمة عايدة ظلمتني الى ابعد الحدود وبالرغم ان السنة الأولى كانت صعبة جدا فمصطلحات الطب كانت تشبة بالنسبة لي الحروف الصينية الا ان التصميم والارادة بداخلي اكسبني قدرة عجيبة على فك كل الطلاسم والرموز التي أمامي ما أقسى أن نجعل من مصائب الآخرين مادة للتندر والضحك كان يحز في نفسي كثيرا استظراف بعض الزميلات وجعل قبولي في الطب البيطري بابا من أبواب الفكاهة الذي يفتح في كل وقت بداعي او بدون بمجرد رؤيتي وكأن وجهي يوحي بحظيرة للحيوانات كنت اسمع تلك الفكاهات الغير مضحكة في نظري على الاقل والجارحة احيانا بهدوء دون أن يؤثر ذلك علي البته فالهدف الذي اسعى اليه اكبر من أن يهدم بسبب بعض المستظرفين الأغبياء شيء واحد كان يخفف علي دائما !كان الملجأ الوحيد لي حيث تعودت أن اشكي بدون خجل او خوف بكل الكلمات التي تطرأ في رأسي دون ان احاول تنسيقها أوتهذيبها فهي تخرج من قلبي مباشرة مختلطة بعبراتي دون خوف ان يفهمها الآخرون خطأ أو خشية من أن يذلني بها من سمعها مني يوما ما اذا ساءت علاقتي به لأي سبب فيما بعد هذا الملجأ كان ربي الكريم الذي يسمعني عندما يعرض عن شكواي الآخرون ويساعدني عندما تقفل في وجهي ابواب العباد بلا رحمة ما أجمل تلك الساعات التي اقضيها في هدوء الليل بنفس مطمئنة وعين دامعة من خشية الله واحساسي بقربه يكتنفني فيسعدني الى أبعد الحدود ..مع الوقت تعلمت أن النجاح هو قرار يأخذه الانسان على عاتقه ليقض مضجعه ! ربما يخدمنا الحظ بطريقة ما في الوقت الذي نحتاجه للوصول اليه لكن بالتأكيد لا يأتي النجاح الا بالجهد فلم اسمع قط عن شخص اجتهد بجد وفشل !كما أن الصبر والمثابرة ركائز هامة لهذا النجاح أما اليأس فهو الداء العضال الذي يؤدي السقوط والفشل انتهت السنة الأولى من الطب بعد أن كاد الخوف والقلق من الفشل يقضي علي لتنقلب الأمور رأسا على عقب فقد كانت نتائجي في الكلية مبشرة جدا ..اخيرا استطعت ان اثبت للجميع أن من يضحك أخيرا يضحك كثيرا خاصة عندما أكملت غادة في مادة الفيزياء رغم جهود والدها ومعارفه لاعطائها علامة النجاح على الأقل في تلك المادة ولكن يبدو ان المسؤولة عن تلك المادة لا تنفع معها مثل تلك الوساطات فقد كان شخصية محترمة جدا جادة الى ابعد الحدود كما انها كانت على معرفة بغباء غادة في المادة واهمالها ولا اشك انها ارادت اعطاء غادة درسا لن تنساه في كيفية احترام العلم وعدم الاتكال على سلطة والدها ! في الحقيقة لا انكر سعادتي باخفاق غادة كنت اعتبره نوع من العدل الرباني ودرس لها ولوالدها :-"لم يكن شعوري شماتة او نصر فلم اكن لأقبل اي حرب مع الاغبياء لأني سأكون أكثر غباءً اذا وافقت على حرب كهذه !يكفي أن ذلك الغرور والكبرياء الذي كنت اراه فيها سيختفي ليحل مكانه الانكسار والاخفاق بلا شك لم ارها في الجامعة عند ظهور النتائج ولكن حظها السيء جمعها بي في أحد الأسواق العامة .. حاولت أن تتجاهلني في بادئ الأمر ولكن لم أكن لأفوت فرصتي في الانتقام منها ابدا فأنا لست ملاكا لاصفح بسهولة الملائكة والمعصومين لانهم ببساطة اكثر منا تسامحا وعفوا اقتربت منها بابتسامة عريضة قلت : سمعت ان المكملين في احد مواد الطب يتم تحويلهم الى حظائر الحيوانات لاخذ دروس خصوصية :-" ردت : والناجحين من الحيوانات الذكية يتم نقلهم الى الطب البشري لم اصدق انها لا تزال قوية وان الانكسار لم يعرف لها طريقا فقلت : يكفيني شرف الذكاء ويكفيك حميرة الغباء لم تحتمل رؤيتي اكثر من ذلك فجأة انسحبت كعادتها وهي تقول دون أن تنظر الي : ستجمعنا حتما مقاعد السنة الثانية وفري احقادك وامراضك النفسية لنيل مني فيها ! لم اصدق ما قالت هل ستجمعني بها حقا السنة القادمة على ما يبدو انها واثقة جدا من النجاح اذكر أن امي عنفتني بشدة على حواري مع غادة تلك الليلة ويبدو أن غباء غادة معدي لأني حكيت لامي على ما قلت لها بالنص لذا اتهمتني اني لا افرق عنها شيئا بل انني اسوأ ! حاولت افهامها ان التعامل مع هذه النوعية لا يكون بطرق مثالية يحيطها الفضيلة والصلاح وأن علي أن اكون قوية وارد الصاع صاعين لمن استهزأ بي وحط من كرامتي ولكن دون فائدة أمي وأبي من عالم ذهب وولى تماما كما ذهب تاريخنا الحضاري الاسلامي ادراج الرياح لنستيقظ اليوم على حاضر مخجل بلا شك نحن السبب فيه
رغم صعوبة سنوات الطب والضغط النفسي الذي سببته لي الا انها مرت سريعا لأجد نفسي فجأة طبيبة لقب دكتورة كان يعجبني جدا رغم انه يشعرني احيانا باني كبيرة جدا في السن فشكل الطبيب المتعارف عليه للرجل قصير واصلع وبنظارة طبية ! وللمرأة اسوأ فالطبيبة غالبا ليس لديها الوقت كي تهتم بمظهرها لذا نجدها دائما عملية في اختيارها للأزياء تستخدم جزم الرياضة البيضاء والملابس المريحة القطنيه حتى لا تعوقها في العمل وغالبا ما تكون ابعد من غيرها عن ابتكارات العصر الحديثة من ملابس تهم بنات عصرها المشكلة كانت عندما اشعر برغبتي في فعل ما تفعله البنات في مثل سني فقد تخرجت من الطب وعمري 23 عاما والجميع يعاملني وكأن لي من العمر 43 عامافهناك الكثير من الأعمال التي لا تتناسب مع وضعي الجديد كطبيبة وعندما التقي بجموعة من البنات خارج العمل في حفلة او اجتماع واعرف بنفسي أني طبيبة تتغير النظرة لي تماما فيشعرن بأني اكبرهن او اني عجوز متصابية ! واسمع بعض الهمهمات والتساؤلات التي تريد أن تتأكد من أني طبيبة فعلا أو اني مدعية بدأت اشك ان لدقة مظهري الخارجي وقصر قامتي دخل في تلك التساؤلات التي اراها في عيون الجميع حصلت على ترتيب الثانية مكرر على الدفعة ولان اسمي يبدأ بحرف اللام واسم الثانية يبدأ بحرف الألف (أمل ) فقد تم اختيارها هي والأولى لشغل وظائف معيدات كدت ان اصاب بجلطة بعد أن علمت سبب اختيار أمل لشغل الوظيفة بدلا مني وعندما قررت أن أعترض قامت اللجنة المسؤولة عن اختيار المعيدات بطرح وظيفة اخرى ولكن على المتقدمين لها الدخول الى مقابلة شخصية قبل الاختيار الوضع الطبيعي كان أن أحصل انا دون اي مقابلات على هذه الوظيفة فقد كنت دائما احصل على مجموع عالي في كل سنوات الطب هذا بالاضافة الى ان جميع من أعرف يشهد لي بحسن السلوك والتعاون ! لذلك شعرت ان في الموضوع لعبة ما وان الوظيفة لن تكون لي ابدا وان المقابلة الشخصية لم تكن سوى ستار لاعطاء الوظيفة لأخرى ويبدو أنني املك حاسة سادسة لان الوظيفة ذهبت فعلا الى فاتن محمد السابعة على الدفعة ولم أكن بحاجة لمعرفة سبب اختيار فاتن خاصة بعد أن علم الجميع بالمبالغ الباهظة التى تبرع بها والد فاتن للجامعة !أما غادة التي كانت تكمل في كل سنة على الأقل بمادة سمعت انها قدمت اوراقها الى احدى الجامعات الخارجية لتكملة دراستها بعد انهاء فترة الامتياز وذلك لحصولها على بعثة خاصة سعى لها فيها احد رجال الدولة المرموقين والذي كان يتابع حالته الصحية عند والدها الجراح الشهير وهكذا فقدت احد احلامي في العمل بالجامعة والحصول على بعثة خارجية لتكملة دراستي ! وبقي التساؤل الذي كان يطرح نفسه علي دائما لماذا لدي هذا الشعور البغيض بان فرحتي غير مكتملة دوما وان شيئا ما لابد ان يعكر علي سعادتي ؟! فلم افرح بمجموعي في الثانوي الا وازعجني القبول في كلية الطب البيطري ولم اشعر بالسعادة في تفوقي والحصول على المركز الثاني في الكلية الا وكنت اول من حرم من العمل بها ومن فرصة الابتعاث الى الخارج !ربما هو قدري وعلي القبول به ولكن لدي شعور قوي أن هناك حكمة ما وراء ما يحدث لي !
اكملت سنة الامتياز لأظل في منزلنا اكثر من 6 اشهر بانتظار التعيين على وظيفة حكومية لم اكن اعلم ان الطبيب في بلدي تنطبق عليه صفة الكساد حتى اظل كل هذه الفترة في بيتنا انتظر وزارة الصحة كي تمن علي بوظيفة هي احوج مني لشغلها في ظل النقص العددي للأطباء في دولة نامية غنية مثل بلدي والتي كانت الى وقتنا هذا تعتمد على تعيين اطباء من الخارج لحل مشكلة كنت انام اغلب النهار في محاولة مني للهروب فقد اعتدت طوال سبع سنوات على الجد والمثابرة وعلى قضاء جل وقتي في الدراسة والبحث ! قسم من زميلاتي تضايقن من الوضع وبدأن في استغلال الوقت في العمل بدون مقابل في الجامعة من اجل اكتساب خبرة ولكني لم استطع دخول الجامعة مرة اخرى فاحساسي بالظلم ورؤية الغير يشغل منصبا انا احق به كان يؤذيني كثيرا والقسم الآخر منهن شغلن انفسهن بالخطوبة والزواج وتأسيس اسرة الى أن يقضي الله امرا كان مفعولا اما انا فبقيت تائهة ضائعة وحيدة الى ان جاء اليوم الذي ثار فيه عليّ والدي يتهمني فيه اني انسانة سلبية ضعيفة وانني ابحث عن المناصب وكان الاولى بي الذهاب الى اي مستشفى حكومي لرؤية اكبر عدد من المرضى وكسب خبرة ربما لا احصل عليها في مكان آخر .. كنت اعلم ان والدي على حق ولكن هل نستطيع نحن كبشر ان نتبع الحق لمجرد انه ظاهر وبيّن ! كانت المشاعر في داخلي مختلطة بين احساس بالظلم والتعاسة والخجل .. واخيرا بعد ستة اشهر قضيتها في المنزل قررت ان استمع الى نصيحة والدي الذي استطاع ان يتصل باحد اصدقائه في احدى المستشفيات الحكومية لأعمل كطبيبة متدربة في المستشفى بدون مقابل ! بدأ العمل في المستشفى يشغل معظم وقتي الغريب انني احسست بعد فترة قصيرة من العمل أنني في غابة كبيرة البقاء فيها للأقوى وليس للأفضل ! مؤمرات بين الاطباء بطريقة لا تناسب لا المستوى العلمي او الانساني على السواء ومنافسة غير شريفة في كثير من الاحيان .. علاقات مشبوهة بين الاطباء والممرضات عالم غريب عجيب وقفت امامه خائفة مرعوبة ان يفترسني القوي منهم اذا اغمضت عيني لحظة ما اسوأ ان تكون وافد جديد على مكان عامر بشتى انواع المشاكل والشللية .. اذا لم اصبح صديقك فأنا عدوك واذا صاحبت عدوك فبالتالي انا عدو جديد لك .. كنت انظر مذهولة الى كمية النفاق الاجتماعي بين العاملين بالمستشفى والذي كان يجعلني اصاب بالقرف والغثيان لاترك في اغلب الاحيان المكان واجلس وحيدة اقرأ في صمت مجلات طبية ! هل هذا هو الحلم الذي كرست حياتي من اجله هل هذا هو المكان الذي يشفى آلام الناس ويقضي على امراضهم ! هل هذه هي شخصية الطبيب المرموقة الذي يخاف الله ونكن له الاحترام اينما ذهب وحل هل هذا هو مجتمع الاطباء الحقيقي الخفي الذي لا نعرفه نحن ربما لا وربما نعم لكن الايام القادمة بالتأكيد ستوضح لي الحقيقة
لازلت اعاني من مشكلة الاندماج في وسط اجد نفسي مشمئزة منه خاصة بعد ان قامت احدى الطبيبات المخضرمات في المستشفى بشكوتي لادارة المستشفى لاني عالجت احد الاطفال بشكل لا تراه هي مناسبا كان هناك همهمات وهمسات عليّ اينما اذهب ولم يكلف احدهم نفسه ليقول لي ما حدث !! و لم يناقشني اي طبيب في العلاج حتى اتعلم منه اذا كنت اخطأت فعلا !! اكتفى الجميع بالتحدث بتهكم وسخرية من وراء ظهري عن الطبيبة الجديدة التي تخطيء في علاج المرضى وتعمل في المستشفى بدون مقابل !! الغريب انني كنت من اشطر الطلبة في الكلية في علاج الاطفال وتشخيص امراضهم والمعروف عني اني لا اعالجهم فقط بل انني استطيع ببساطة كسب محبتهم وثقتهم وعلاجهم بسهولة رغم ان الكثير من الاطباء لا يملكون تلك الموهوبة خاصة في علاج الاطفال !! واخيرا جاءتني طبيبة يبدو عليها التدين والاحترام لتفاتحني في الموضوع من باب النصيحة كانت اول شخصية في المستشفى ارتاح لها واقدرها .. حكت لي ما يحدث خلف ظهري وطلبت مني ان اكون حريصة فكثير من الاطباء وخاصة تلك الطبيبة المخضرمة يبحثون في زلات الآخرين من اجل البروز على حسابهم فهي عندما تذهب للشكوى تمدح نفسها بطريقة غير مباشرة لتوضح مدى حرصها على المرضى وتفانيها في العمل بينما امثالي يخطئ ويهمل ولا يفقه ماذا يعمل المشكلة ان تلك الطبيبة لم تحصل على اي شهادات تخصص في الاطفال فهي لا تزال طبيب عام ورغم ذلك كانت تعامل كأخصائية للاطفال !! انتظرت خلال الاسبوع ان يقدم اي شخص للتحقيق معي ولكن شيئا لم يحدث من ذلك وفي احد الايام وانا في احدى العيادات اكشف على احدى السيدات فوجئت بتلك الطبيبة تفتح الباب علي بعنف وتوبخني امام المريضة والممرضات باسلوب سوقي كريه وكأننا في احد الاسواق الشعبية المتدنية المستوى قالت : لا اريدك ان تدخلي قسم الاطفال ولا أن تضعي يدك على اي طفل قلت : انا اذهب الى هناك عندما يطلب مني رئيسي المباشر ان اغطي احدى عيادات الاطفال قالت : اياك ان اراك هناك ايتها الحمقاء !!!!!!
!قلت : اذاً تحدثي الى رئيسي مباشرة وليس لي والآن اخرجي من هذه العيادة فورا قبل ان اتفوه بكلام لا يعجبك تركتني ورحلت
.. احسست بزلزال عنيف يضرب اعماقي لتمتليء عيناي بدموع غبية لم افهم لها سببا وقتها ! تركت غرفتي بعد ان اكملت الكشف وانا في حالة ذهول غسلت وجهي وذهبت بعدها الى مكتب رئيسي المباشر المسؤول عني في المستشفى والذي اتلقى عادة التعليمات منه .. دخلت الى مكتبه وانا تقريبا منهارة واخبرته بما حدث وطلبت منه ان يقول لي اذا كنت فعلا اخطأت في علاج احد الاطفال حتى استحق كل هذا الهجوم امام الممرضات والمرضى بشكل مخزي وكأنني عاملة منزلية كسرت احدى التحف النادرة بالمنزل الذي تعمل فيه
فوجئت بابتسامة باهتة على شفتيه وهو يقول لي بكل برود : لم تخطئي في العلاج فانا راجعت كل ملفات الاطفال الذين عالجتهم خلال الاسبوع ووجدت انك لم تخطئي بالعكس استخدمت ادوية جديدة ورخيصة تناسب حالة المرضى المادية وشرحت في الملفات بالتفصيل حالة كل مريض بشكل واضح ومدهش هذا علاوة عن خطك الجميل وترتيب افكارك ودقة ملاحظاتك عن كل حالة لم اصدق اذناي قلت : لهذا اهانتني امام الجميع بهذا الشكل
قال : انت جديدة وستعتادين على اسلوب الزملاء مع الوقت
قلت : اعتااااااااااد !!!.. يجب ان تأخذ لي حقي من هذه الطبيبة الشريرة وتفهمها اني لا استحق كل هذا واني لم اخطيء لتتجرأ علي هكذا
قال بابتسامة بلهاء لا تناسب التوتر الذي اشعر به : حسنا سأكلمها لاحقا لا تأخذي الموضوع هكذا :-" واتمنى ان تبتعدي عن اي صدامات مباشرة معها لانك من سيخسر حتما فهي طبيبة قديمة ومعروفة بقدرتها على اختلاق المشاكل واغلب من في المستشفى يحرص ان لا يقع معها في مشكلة كي لا يتعب فمستواها متدني جدا ويحرص الجميع على عدم النزول الى ذلك المستوى بمن فيهم مدير المستشفى لم استطع ان اسمع شيئا مما قال بعد ذلك رغم ان شفتيه كانت تتحرك أمامي وبدأت دموعي تنهمر بغزارة وقدرتي على التركيز تذهب ادراج الرياح ! لأتأكد بعدها بما لا يدع مجالا للشك انني في غابة حقيقية لن يدافع عني فيها اي احد لذا علي ان اربي مخالب وانياب لاحمي بها نفسي اذا قررت البقاء هناك ..
كانت تمر الايام في المستشفى طويلة وقاسية لا يخفف علي فيها سوى دعوات المرضى لي بالتوفيق بقيت فترة طويلة هكذا ليس لي اختلاط بالعاملين في المستشفى سواء اطباء او ممرضات احبس نفسي بين الكتب واحاول قدر الامكان تجنب الخطأ مهما كان صغيرا كنت اسمع كل يوم كلمات وقصص لا تعجبني فازداد بُعدا ونفورا عن تلك الاجواء التي تعج بامراض السلوك والأخلاق ! واكتشفت مع الوقت ان امراض الجسد يمكن علاجها اما امراض الروح فلا علاج لها سوى الخوف من الله عز وجل .. علمت بالصدفة ان الطبيبة المخضرمة والتي تدعى نسمه كانت تقوم بتصوير ملفات المرضى الطبية عندما تجد اخطاءً للزملاء وتحتفظ بها بعيدا لتظهرها في الوقت المناسب !! لم اصدق في البداية وبدأت افكر ترى كم ملفا تم تصويرها لي وبمرور الوقت وكثرة هذه النوعية من القصص المقبضة عن ما تقوم به نسمة بدأت انفر فعلا من قسم الاطفال الذي احب حاولت قدر الامكان تجنب تلك الطبيبة التي كانت تمارس امراضها النفسية في تشويه سمعة زملائها الاطباء ليبزغ نجمها بعد افهام الجميع ان ما تقوم به ليس لشيء سوى خوفا وخشيةً من الله ! والحقيقة انني كنت اتساءل من اي تأتي بالوقت لتفعل كل هذا فهي زوجة وام وعندها من المسؤوليات ما يثقل الكاهل هذا بالاضافة الى ضغط العمل وعدد المرضى الهائل الذي يتوافد على المستشفى كل يوم !! وهذا الوقت الذي تقضيه في النتقيب والبحث في ملفات المرضى أليس العمل أولى به بعد عدة اشهر من العمل فوجئت برؤية بعض ملفات المرضى الذين عالجتهم في بداية عملي بالمستشفى ! لم اصدق ما أرى كدت أن اختنق من الدخان الكثيف الناتج عن احتراق اعصابي وانا انظر في الملفات التي قضيت فيها وقتا طويلا لكتابتها بطريقة واضحة وسهلة كي يستطيع اي طبيب متابعة الحالة بعدي !! كان هناك دوائر حمراء حول بعض الادوية التي استخدمها للمرضى !! وبعض الاسهم على ملاحظاتي في ملف المريض طبعا واضح ان من كتب ذلك هو الريح الصرصر العاتية التي سخرها علي حظي الأسود لانها كتبت بعدي ملاحظات عني شخصيا وكأنها ناقدة صحفية لأحد اعمالي الفنية هل يعقل ان تفعل ذلك في ملفات المرضى وبهذه الطريقة الفجة ؟!!!!!! المشكلة ان ملفات المرضى بعدها ابعد ما يكون عن الترتيب فخطها سيء جدا لا يمكن قراءته الا بخبير خط !! ووصفها للحالة غير علمي ولغتها الانجليزية ركيكة جدا لا يكتب بها طالب في ابتدائي !! ورغم ذلك شوهت كل ملفات مرضاي باللون الأحمر وكأنها مدرسة وانا تلميذتها وملفات المرضى دفاتري المدرسية وهي من يقوم بتصحيحها قررت ان اذهب بالملفات شاكية لكني توقفت بعد ان تذكرت كلام رئيسي لي بأن ملفاتي ممتازة وعلاجي للمرضى لا غبار عليه .. لو كنت فعلا مخطئة لكانت ادارة المستشفى حققت معي على اقل تقدير ومنعتني فعلا من العمل دون رقابة من احد الاطباء لذا يجب ان اتريث قليلا وان لا اتخذ قرارا وانا غاضبة ومتوترة كما علمني والدي دائما حسنا سألقن تلك النسمة درسا لن تنساه ان عاجلا او اجلا في كيفية التعامل مع الزملاء بطريقة تناسبها وتناسب من على شاكلتها وبدون النزول الى مستواها
نتيجة عملي المضني وإجازة احد الأطباء في المستشفى لقضاء سنة بدون مرتب قررت ادارة المستشفى تعييني على وظيفته مدة عام كامل بشكل مؤقت فاذا اثبت قدرتي المهنية بعدها يتم تعييني بشكل رسمي هناك فرحت جدا بالتعيين خاصة ان اغلب دفعتي في الكلية لم يتم تعيين اغلبهم في وظائف برواتب مجزية مثلي بمن فيهم المعيدين والمعيدات .. كم كانت فرحتي عارمة باستلام اول راتب لي اول مرة احس بمعنى ان تحصل على راتب نتيجة لمجهودك وتعبك قررت أن اشتري بأول راتب هدية لوالدي وأمي تقديرا مني لتعبهما معي خلال سنوات الدراسة وسهرهما على راحتي كل تلك السنين دون كلل او ملل من قصصي التعيسة ما أجمل أن استقل ماديا عن اسرتي الصغيرة وادخر من نقودي الخاصة لأشتري ما يطيب لي بدون مد احدى يداي لوالدي العزيز فقد كنت أكره الشعور بالخجل نتيجة لذلك خاصة بعد ان تخرجت وعملت .. سبحان الله العمل واستقلالي المادي اثرا في شخصيتي بشكل واضح فاصبحت قوية وصلبة في مواجهة الظروف مهما كانت ومع الخبرة التي اكتسبتها من العمل لم يعد ينتابني ذلك الشعور بالخوف والرهبة ممن حولي ازدادت ثقتي في نفسي بشكل كبير وهذا ساعدني في التقرب ممن حولي و التمييز بين الصالح والطالح في المستشفى استطعت بعدها تكوين صداقات متعددة هناك فأصبح لدي الكثير من الأصدقاء الذين صرحوا لي فيما بعد بآرائهم الشخصية التي كونوها عني في بداية عملي أغلبهم اتهمني بالغرور نتيجة لانعزالي عن الجميع كان تصريحهم بأني مغرورة مفاجئ جدا لي وتساءلت في داخلي اذا كان معنى الغرور عند الناس هو التعالي عن صغائر الأمور وعدم القدرة على ركوب موجة النفاق الاجتماعي ما أسهل تكوين رأي سلبي عن أي موظف جديد لم يأبه أي من الموظفين بالتحدث إليه ومرعاة قلة خبرته واحراجه أحيانا من فرض نفسه على ناس لا يدري عن خباياهم شيئا و قد لا يجدون وجوده محبباً ! لو بادر اي شخص منهم التحدث إلي بشكل ودي والسؤال عني بشكل لطيف لما أصابني هذا النفور والخوف من جو العمل ! لقد تركني الجميع تائهة في بحر من الرهبة خاصة بعد أن وقفت وحيده ضد عواصف الدكتورة نسمة ولم أسمع أن أي شخص حاول حل المشكلة بيننا بمن فيهم رئيسي المباشر واكتفى الجميع بانتظار النتيجة حسناً أمي أنا مستعدة للذهاب الآن .. كنت أرد على والدتي وهي تستعجلني للنزول بسرعة لأننا سنذهب اليوم مع والداي وبعض أفراد أسرتنا المقربين احتفالا بتعييني بعد أن اخترنا موعدا مناسبا للجميع
دخلنا المطعم الأنيق الذي اخترته بنفسي للاحتفال فيه بأول نجاح حقيقي لا يسبب لي أي تعاسة ومن أين ستأتيني التعاسة مرة أخرى بعد أن اثبت نفسي في عملي بمجهودي ودون وساطة من أي شخص رددت هذا الكلام بكل ثقة على نفسي التي بدأت تخاف من أي أخبار سعيدة كان المطعم رائعا فعلا وأطباقه شهية للغاية كنت بصحبة عائلتي التي أحب لقد اخترتهم بعناية شديدة جدا رغم اعتراض والدتي على حذفي لبعض شخصيات العائلة من هذه الدعوة إلا أنها رضخت أخيرا تحت إلحاحي الشديد بأن احتفل بنجاحي بطريقتي الخاصة ومع من أحب دون أن تفرض علي الالتزامات العائلية احد لا يعجبني لمجرد قرابته لي كنت مستمتعة بكل لحظة وجهي دائم البسمة حتى أن الجميع علق على حيويتي ونشاطي وكثرة كلامي وبينما أن استعد لطلب الحلوى فوجئت بيد تلمس ظهري وتقول : لمىىىىى لا أكاد اصدق !تمنيت أن أكون في حلم لاستيقظ منه قبل أن اضطر للسلام على هذه المخلوقة في هذا اليوم بالذات قلت : مرحبا غادة كيف حالك ردت : في أحسن حال يبدو أن حظي رائع لأني وجدتك هنا فقد انقطعت أخبارك عنا وودت أن ادعوك على حفل زواجي الأسبوع القادم :-"امتقع وجهي وقلت : مبارك لك وفقك الله قالت بلؤم واضح : يبدو انك لم تعلمي بخبر خطبتي أصلا زوج المستقبل هو شخص تعرفينه جيدا ألا تذكري الدكتور خالد العلي .. وكيف لي أن أنسى ذلك الإنسان الوسيم المهذب الرائع حاولت أن اخفي دهشتي الشديدة فقد كانت غادة لا تناسب ذلك الإنسان أبدا !قلت بهدوء وبلا مبالاة : نعم اذكره قالت : نحن هنا اليوم في العشاء الأخير لنا مع عائلتي وعائلته لأننا سنسافر بعد زواجنا بأربع وعشرين ساعة إلى أمريكا لنكمل دراستنا معا فقد أخرت بعثتي للدراسة بعد خطبتنا ! شئ ما عصر قلبي بقوة وقسوة قلت : معك حق هو يستحق تضحيتك الكبيرة بلا شك كان يبدو عليها الزهو جدا وكأنها حققت نصرا خاصة بعد أن رأيتها تدقق في أصابع يدي لتعرف إذا ما ارتبطت بأحدهم أم لا ضممت أصابعي إلى كفي في محاولة لمنعها معرفة أنني لم ارتبط بعد كان موقفا سخيفا جدا انتهى بأن سمعت الدكتور خالد ينادي على غادة التي استأذنت مني وذهبت إليه بعد أن رسمت ابتسامة عريضة على وجهها وقالت له بود لم اسمعها تحدث به أحدا من قبل أنني لمى عبد العزيز إحدى صديقاتها ! ألقى تحيته إلي فقد كنت إحدى تلميذاته من قبل بشكل هادئ و سريع محترما فيه معرفة الجميع بتديني وحرصي الشديد في محادثة الجنس الآخر والتعامل معهم ! اكتشفت بعد ذهابهما أنني فقدت قابليتي للأكل تماما لذلك لم أطلب أي حلوى كما كنت سأفعل قبل رؤية غادة وبعد دقائق أقبل النادل ليعطيني ظرفا فيه دعوة خاصة لحضور حفل زفاف غادة في أكبر وأفخم قاعة للاحتفالات في مدينتي ! كان أجرها لليلة واحدة يكفي لسد حاجة فقراء المدينة 6 أشهر على الأقل !بلا شك ذهبت فرحتي بتعييني أدراج الرياح بعد مقابلتي لغادة لأكتشف أنني كنت أحتفل بوظيفة مؤقته عملت قبلها في المستشفى بدون راتب فترات مضنية بضعة أشهر ولا أمل لي فيها بالابتعاث بينما هي تحتفل بالزواج من طبيب رائع لتغادر معه في بعثة دراسية بعد فرح اسطوري قد تأتي بعدها بسنوات وتصبح رئيسي !!
هل كان شعوري وأزمتي بعد رؤية غادة غيرة وحقد
في الحقيقة كان صعب علي وقتها أن أجيب !!
ولكني بقيت فترة أتساءل لماذا هذه الانسانة تأخذ كل ما تريد بهذه البساطة دخلت الطب وهي من أغبى الخلق فكانت تخفق كل سنة فيضطر والدها لاستخدام نفوذه وتنجح بينما يحرم غيرها من دخول الكلية مثل ما حدث مع الأولى على المنطقة التي حرمت من الدخول لأنها مرضت يوم اختبار القبول رغم أن غادة نفسها لم تحضره ثم تأخذ بعثة خاصة على حساب الدولة بطريقة ملتوية لتذهب فتكمل تعلميها حتى بدون أن تعمل لاكتساب خبرة كافية وأخيرا تتزوج من طبيب رائع مهذب ووسيم ذو سمعة وخلق حميد وهي انسانة غير ملتزمة أخلاقيا ودينيا !هل وجود هذه النوعية من البشر امتحان واختبار لنا ؟؟؟ وان لم يكن كذلك هل يستطيع أي شخص أن يفسر لي لماذا اليوم الفتاة الملتزمة بدينها وخلقها لا يتقدم لها أمثال الدكتور خالد ! عدد لا بأس به من دفعتي بنات ملتزمات دينيا وأخلاقيا لم يرتبطن إلى الآن بينما اسمع كل يوم أن أمثال غادة الوقحة يتزوجون أفضل الأشخاص بغض النظر عن سمعتهن وأخلاقهن لازمتني تلك الأسئلة طوال الأسبوع وفي كل مرة كانت ترتفع فيها نسبة الاحباط والاكتئاب عندي أقرر انني لن احضر هذا العرس أبدا ! إلى أن دخلت علي إحدى الممرضات في يوم لتخبرني أن رئيس قسم العيون الدكتور حسن السامي توفي ليلة البارحة في حادث مفجع وتوفي معه احدى بناته و الأخرى دخلت في غيبوبة أما زوجته فقد اصيبت ببعض الرضوض ! كانت صدمة لدرجة أنني لم أصدق الخبر في البداية ! الدكتور حسن كان شخصية محبوبة لا يختلف على سلوكه المهذب اثنين .. كان قلب المستشفى النابض ورئيس قسم رائع تمنيت مرارا أن أذهب قسمه للعمل معه من كثرة الكلام المشجع الذي اسمعه عنه ! لم يبقَ شخص في المستشفى من كبيرها الى صغيرها لم يبكي على فراق ذلك الانسان النادر الوجود هذه الأيام ! أجهشت بالبكاء فترة طويلة يومها رغم أن معرفتي به تكاد تكون سطحية كانت فاجعة فقده مذهلة وشديدة أصابتنا جميعا بالحزن الشديد ! من يصدق ما حدث ! هذا الطبيب المتدين والباحث المتمكن الذي نشرت له الكثير من المجلات الطبية الأروبية والأمريكية أبحاثه ودراساته والذي يجمع كل أسباب السعادة والنجاح في نظري فهو شخصية محبوبة واستشاري معروف في بلدي أب لأربعة أولاد زوجته كاتبة مشهورة حياته نموذجا مثاليا لأي شخص يبحث عن السعادة والنجاح يذهب هكذا في دقائق معدودة يخطفه الموت من كل شيء ! جمعت قواي أخيرا بعد أن علمت أن زوجته في المستشفى تطمئن على ابنتها الأخرى التي كانت ترقد بسلام على أحد أسرة العناية المركزة كان الموقف صعب جدا ولم اعرف اذا كنت استطيع فعلا أن أنطق بكلمة عند رؤيتي لهذه السيدة المنكوبة التي فقدت في ساعة واحدة زوجها وابنتها وعلى وشك فقد الأخرى دخلت عليها بهدوء وقبل أن أنظر إليها لمحت ذلك الوجه الملائكي الوديع لطفلتها التي لا تتجاوز التاسعة .. ما أجملها .. وجهها بريء جدا .. دمعت عيناي وانا أتأملها .. لا أدري كم من الوقت قضيته وأنا أنظر إليها ! رفعت رأسي بعدها لمواجهة والدتها التي كانت تجلس بجانبها .. في الحقيقة لم أصدق أن هذه هي الزوجة المسكينة التي يتحدث عنها الجميع ! كانت هادئة جدا وجهها رقيق القسمات الى أبعد الحدود وكثير من الرضى يكتسح ملامحها بشكل مذهل حتى أنني ظننت أنني أخطأت في رقم سرير الطفلة ! أخيرا وبصوت مبحوح نطقت ببعض كلمات العزاء التقليدية فردت علي بشكل حزين لكن متماسك ومؤمن بقضاء الله وقدره بعد أن مسحت دموعي بحنان قائلة : لله ما أعطى وأخذ والحمد له والشكر أن قدر فلطف .. خرجت من عند هذه السيدة المؤمنة الصابرة بدرس لن أنساه أبدا في كيفية الصبر على الابتلاء وحمدت الله وشكرت فضله على كل نعمة أنا فيها وشعرت بالخزي والعار على الساعات التي قضيتها أفكر فيما عند غادة وليس عندي ! كم أنا ساذجة وتافهة جدا هذا الشعور كاد أن يقتلني بعد زيارتي لزوجة الدكتور حسن .. استغفرت ربي كثيرا وعرفت وآمنت أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك !كان هذا أول درس أتعلمه من الحياة بدون توجيهات من والداي ! أول دروس السعادة وراحة البال هو الرضى بالقضاء والقدر وتذكر النعمة التي اعطاها لنا الله وحرم منها غيرنا .. فالتتزوج غادة افضل الناس ولتأخذ أكبر الشهادات ولتأتي غدا استشاريا لا يهمني لم أعد احسبها كما كنت أفعل كل ما يهمني اليوم كيف سأحقق سعادتي بنفسي ومجهودي واكتسب حب وتوفيق ربي في الدارين ..
اليوم ..... فرح غادة قررت أن أذهب كي أهنئها حتى اثبت لنفسي أن نظرتي للأمور قد تغيرت وأنها أختي المسلمة التي يجب أن أفرح لفرحها وأحزن لحزنها مهما كانت الظروف ..تبادلت مع أحد الزملاء يوم المناوبة حتى أستطيع الذهاب يومها ما أسوأ المناوبات الليلية للمرأة هكذا فكرت .. وأنا في طريقي إلى المنزل !لماذا علي أن أتقاسم المناوبات الليلية مع زملائي الرجال ! لماذا لا تكون المناوبات فقط للرجال دون النساء ! لماذا علي أن أخرج من منزلي في منتصف الليل أحيانا لعلاج حالة طارئة أو أن أبيت في المستشفى بدون محرم وعدد الأطباء في المستشفى يكفي لتقاسم المناوبات دون الحاجة إلى تعريضنا نحن الطبيبات لكل هذا عندما دخلت الطب كنت أظن أنني أقدم خدمة رائعة لأخواتي المسلمات بعدم تعرضيهن للكشف عند الأطباء الرجال صحيح أن الإسلام لا يمنع العلاج عند الطبيب ولكني اقطن في مجتمع مسلم ملتزم تفضل فيه المرأة الذهاب إلى طبيبة مسلمة تستطيع علاجها دون اللجوء إلى الرجل خاصة أن هناك أمراض كثيرة تخجل المرأة قولها للطبيب الرجل وترتاح أكثر في نقاشها مع طبيبة تذكرت صديقتي مها وهي في شهورها الأخيرة في الحمل كيف كان جدولها عامرا بالمرضى دون مراعاة تعبها وإرهاقها الشديد فجدول مرضاها لا يفرق عن أي جدول طبيب آخر ! وعندما تأتي الترقيات لرئاسة الأقسام يتم عزل أسماء الطبيبات بسبب أنهن نساء ولا يجب أن تولى المرأة لهذه المناصب ! يال ازدواجية بعض مجتمعاتنا العربية خاصة التي تدعي تطبيق الإسلام ! فهي تمنع المرأة من قيادة السيارة وتحرمها شرعا وتقف دون أن تنطق بحرف وهي تبيت في المستشفى خارج منزلها بدون محرم لأن العمل لا يفرق بين المرأة والرجل في جداول العمل ! بينما تتذكر أنها امرأة فقط عند اختيار رؤساء الأقسام اذكر مرة وأنا طالبة امتياز في قسم الجراحة أن احدى الطبيبات أخذت اجازة أمومة بعد أن عملت لآخر أسبوع تقريبا قبل ولادة طفلتها وبدل أن يرى زملاؤها الرجال في العمل أنها تستحق جائزة فرغم كل آلامها وتعبها خلال تسعة اشهر حمل ثم إرهاق الولادة وما يليها من تعب وشقاء حسدها أغلبهم على إجازة الأمومة التي أخذتها أي إجازة تلك التي ستقضيها تلك المسكينة وفي يديها رضيع صغير جدا يعتمد عليها في كل شيء ماهذا لماذا أشغل نفسي بهذه الأمور الآن علي أن أنام قليلا قبل أن استيقظ لتهيئة نفسي وثيابي لحضور العرس سبحان الله .. كأنني نمت لخمسة دقائق فقط وليس لمدة ساعتين عندما أتت أمي لتوقظني بحنان كي أصلي المغرب وأبدأ في إعداد نفسي لحضور فرح غادة أخيررررررررررا بعد أربع ساعات عمل شاق انتهيت نظرت إلى نفسي في المرآة وكأنني أراها لأول مرة .. ابتسمت ابتسامة سعيدة بمظهري الجميل ثم قرأت على نفسي كل الآيات الخاصة بالحفظ من العين كما اوصتني أمي وأخذت معي بطاقة الدعوة بعد أن اتصلت بمها لتأكد من انتهائها هي أيضا لنذهب في نفس التوقيت تقريبا .. أخيرا ركبت مع والدي سيارته وتوجهنا الى قاعة العرس الفاخرة .. دخلت القاعة وعلامات الانبهار واضحة على وجهي ! هذه ليست قاعة بل قصر رائع كل شي فيها فخم جدا لوحات فنية رائعة معلقة بشكل يسلب الألباب في أغلب جوانب القاعة وهناك عدد كبير من الشمعدنات الكريستال الفخمة وضعت على كل طاولة في القاعة وبجانبها صحون مذهبة ممتلئة بأطيب وأغلى أنواع الحلوى السويسرية التي تم شحنها من جنيف بشكل خاص لحفل الزواج كما اخبروني لاحقا هذا بخلاف اغلى انواع الورود التي انتشرت بشكل رائع في كل مكان تقريبا لتضفي سحرا وعبيرا خلابا في كل أرجاء القاعة والتي بالتأكيد كانت مستوردة من الخارج هي الأخرى لأني لم أرها في بلدي من قبل شعرت أني في قصص الف ليلة وليلة هناك .. أما الحضور فحدث ولا حرج واضح أنهن من سيدات المجتمع الراقي جدا ! لأن أغلبهن يلبسن حلي ومجوهرات تقدر بالملايين بلا شك مسكينة أمي تذكرت كلاماتها وهي توصيني بالحرص على القرط الماسي الذي استعرته منها والذي بالكاد تستطيع أن ترى احجاره الكريمة بدأت أتوتر فعلا وأنا انظر الى هذا العالم الغريب علي لأشعر أنني أكاد أكون معدمة فعلا مقارنة بمن في الحفل انطفأت أنوار الحفل بعد أن اشعلن العاملات بالقاعة الشموع اعلانا عن قدوم العروس غادة ! ترى ماذا ستلبس غادة في يوم عرسها هذا وسط هذه الأجواء التي تعلن بقوة عن الثراء الفاحش لطبقات كنت أظن أنها موجودة في قصص الخيال القديمة فقط
كما توقعت دخلت غادة القاعة وهي ترتدي اجمل ثوب زفاف رأيته في حياتي ثوب عرسها كان يشبه إلى حد كبير الفساتين الفرنسية القديمة الحالمة بلا شك هذا الفستان دُفع فيه ثروة طائلة فطريقة تطريزه تبدو مكلفة جدا كما أن التصميم مبدع للغاية العرس بكل ما فيه كان يعلن بشكل سافر عن البذخ والثراء الفاحش ! لم اكن أعلم أن غادة الشخصية الغبية في نظري دائما يمكن أن يكون مستوى معيشتها هكذا . كنت اعلم أنها غنية ولكن لم اكن اعلم أنها من طبقة فاحشة الثراء كما أرى اليوم خفف علي وجود مها ومريم بالعرس كثيرا لو بقيت هناك وحدي كنت بالتأكيد سأختنق فنظرات الحضور لبعضهم البعض وطريقتهم المتعالية في الحديث أصابتني بالغثيان ترى لو كنت من تلك الطبقة المترفة هل سأتحدث بنفس الطريقة وانظر للناس بهذا التكبر المقرف ابتسمت وأنا أنظر الى وجهي مها ومريم فقد كنت أرى نفس ردود الأفعال التي قمت بها قبل أن يصلن القاعة أحسست بالسعادة فعلا ونحن نضحك بمرح ونقارن حياتنا العادية البسيطة بالناس هناك ! اجمل ما في الحفل كان الأطعمة المتميزة التي تذوقتها هناك .. عدد الموائد المتخمة بكل ما لذ وطاب كانت كثيرة جدا كل ما يمكن أن يخطر على بالك من اسماك ولحوم ومعجنات ولك أن تختار من أي مطبخ حديث تفضل طعامك وعلى اي طريقة تريد سواء إيطالية أو فرنسية أو عربية أنت فقط احلم وقم وأنت تحمل طبقك وحقق أحلامك بعد أن شبعت من كثرة ما أكلت تمنيت أن يوزع باقي الطعام على الفقراء الذين أراهم كل يوم بالمستشفى يعانون من سوء التغذية وخاصة الأطفال ذهبت تلك الأماني مع الرياح عندما رأيت العاملات بالقاعة يأتين بأكياس بلاستيكية سوداء لرمي بقايا الأطعمة ! كدت أن أصرخ بأعلى صوتي وأنا أرى تلك الجريمة أمامي ! استوقفتني مها قائلة : أنت مجرد مدعوة في الحفل لا تدخلي نفسك فيما لا يخصك لم استسغ أن اصمت وأنا أرى ما يحدث ولكني تخيلت نفسي وأنا اطلب من العاملات عدم رمي الطعام بهذا الأسلوب الهمجي فتلتف إحدى سيدات هذا المجتمع وتنظر إلى بنظرة ترثى فيها لحالي وتخرج عدد من الأوراق المالية من حقيبة يديها التي تحمل ماركة عالمية وتتصدق بها علي لأن هيئتي المتواضعة مقارنة بصناديق الجواهر المتنقلة التي أراها في السيدات هناك توحي أنني من فقراء المدينة !طبعا لم انبس ببنت شفه سكت والألم يعتصرني فلم أكن شخصية قوية في الحق كما كنت دائما أتمنى تساءلت بحزن وأنا أنظر لما يحدث أمامي لماذا جيلنا اليوم يخجل من الحق ويصمت على الباطل ويتعلل بالخجل والرقي في التصرفات او ما يطلق عليه الاتيكيت وحرية الآخرين الشخصية ! هل رمي الطعام بتلك الطريقة المستهجنة في سلة المهملات وحرمان فقراء المدينة منه شيء لا يخصني ولا يجب أن أتدخل فيه ثم هل الطبقة هذه التي أراها هنا متخمة بالأموال والمجوهرات في حاجة أن يدعوها أحدهم لتناول الطعام :-" لماذا ننسى في أفراحنا الفقراء ونبخل عليهم حتى ببقايا الطعام الذي لم يأكل ثلثه الليلة ليكون مصيره سلة المهملات وفي الجانب الآخر من المدينة من يموت جوعا يحلم بقطعه من الخبز تسد جوعه في وقت متأخر جدا ركبت السيارة مع والدي الذي ظل مستيقظا طوال الليل خوفا أن ينام ويتركني في الحفل .. نظرت إليه بكل حنان ومحبة ودعوت الله أن لا يحرمني من هذا الأب الرائع الذي لم يغمض له جفن وأنا خارج المنزل خوفا علي ولهفة على سلامتي ..قد لا أكون ثرية مادية مقارنة بغيري ولكني غنية جدا بل فاحشة الثراء وأنا محاطة بهذا الكم الهائل من المحبة والحنان من والداي حفظهما الله أخيرا وضعت رأسي على وسادتي وأنا منهكة من التعب بعد أن صليت الفجر ودعوت ربي أن يكتبني من عباده الصالحين وأن يرزقني بالزوج الصالح الذي يثري حياتي بحبه وحنانه قبل كل شيء
أنكر أن طعم النجاح المهني رائع و مختلف !لكن مع الوقت شعرت بالملل من تكرار العلاج ومشاهدة نفس الحالات باسماء مختلفة لذا طلبت نقلي إلى قسم الجراحة كنوع من التغيير لأنني احتاج بعض التمرين في الجراحة التي دائما كنت متفوقة فيها نظريا بالجامعة رغم كرهي الشديد لرائحة الدماء ومشكلة ضغطي المنخفض الذي يسبب لي دوخة خفيفة هناك تعرفت على الدكتور أحمد كان شديد الوسامة .. ظريف .. من عائلة معروفة .. في الحقيقة أتعبني وجوده هناك كثيرا ! كم أكره منظر الفتيات وهن يظهرن الإعجاب تجاه أي رجل لذلك حاولت قدر المستطاع تحاشيه دائما كنت اخرج من الغرفة التي يكون فيها بدون سبب الا وجوده فيها كلامي معه صارم جدا ليس فيه أي نوع من الخضوع بالقول كان قلبي يخفق بسرعة عندما أراه حتى خفت أن يسمع دقات قلبي المتمردة رغم إلتزامي الشديد إلا أنني كنت أتعامل بنوع من الأخوية المحترمة مع الجنس الآخر !أحمد كان الوحيد الذي أعامله بهذا الأسلوب القاسي وكأنني أخاف أن أضعف معه بطريقة ما !لم أكن أعرف لماذا ؟؟ حاولت معرفة لماذا تتغيّر ملامح وجهي الى الجمود واللامبالاة لمجرد رؤيته لماذا أتوتر هكذا وأسرع في إنهاء أي كلام معه فلا أجد سببا سوى اعجابي الشديد به وكلما رأيت طريقة الأخريات في التحدث إليه يزداد نفوري منه رغم ما أكنه له من اعجاب !! يصبحن في منتهى النعومة والرقة بشكل يستفزني كثيرا !! كان هناك تسابق محموم بينهن للفت نظره عكسي تماما كنت دائما انظر إلى وجهي الباهت الخالي من المساحيق في المرآة وأقارنه بوجه أي واحدة فيهن وقد أظهرت بمساحيق التجميل جماله وروعته فأصاب بإحباط شديد ولكني كنت أصبر نفسي بأنني أطبق ديني الذي هو عصمة أمري بينما هن يكسبن آثاما كثيرة !!ما هذا الشيء الذي جثم فجأة على قلبي عندما رأيته يضحك وينظر للدكتورة ناهد !هل يعقل أن يعجب بناهد !!!!!!!!!!!!!!!!!ناهد ......... كانت في نظري مثالا للوصوليه والأنانية لا يمكن تكريره في الحياة ! كانت تستغل أي شيء للوصول إلى ما تريد ! كل أسلحتها الأنثوية مجهزة تماما للهجوم على أي شخصية تحتاج منها أي شي كنت اشمئز بشدة من أساليبها الرخيصة هذه ! لم تكن طبيبة ماهرة أبدا !بالعكس كانت عصبية مترددة لا تستطيع أن تأخذ قرار في طريقة العلاج لذا كانت تجهد كل من يعمل معها لأنها تغيّر رأيها كل مرة بعد أن يعدوا لها ما طلبت من أدوات لم تكن أي ممرضة تحب العمل معها لأنها لا تحترمهن ودائما تهينهن !ورغم ذلك فهي في منتهى النعومة والأنوثة والطيبة مع أي رجل في المستشفى خاصة الرؤساء والزملاء وكأنها تريد كسب ودهم بطريقتها الخاصة لتغطي على ضعفها في العمل !!!!!!!
لقد ذقت الأمرين معها عندما عملنا سويا في نفس القسم !كانت تبدو طيبة للغاية وبعد فترة تكتشف أنها كانت بتلك الطيبة والوداعة فقط لتحصل على أي معلومات تهمها وبمجرد حصولها عليها تدير لك ظهرها تماما !! اذكر مرة أن أغلب الأطباء الرجال أظهروا لي مدى تعاطفهم معها عندما تم نقلها الى أحد المراكز البعيدة التابعة للمستشفى مدة شهر ! تعجبت وقتها من هذا التعاطف معها بالذات فقد قضيت في ذلك المركز قبلها 3 أشهر دون أن انبس ببنت شفة ثم علمت السبب عندما وجدتها بالصدفة تحكي بمنتهى التعاسة وبطريقة محزنة للدكتور أحمد مدى ما تقاسيه كل يوم في الذهاب الى ذلك المركز المخيف
واضح أنها تخطط لإصطياد أحمد
طبعا بعد 3 أشهر من مجهودات ناهد المكثفة وقع أحمد في براثن مكرها ! تمت الخطوبة والكل مذهول من اختيار أحمد الغير موفق ورغم ذلك كان الجميع عندما يراه يأخذه بالأحضان ليهنيه بطريقة مستفزة وبعد انصرافه تبدأ جلسات غيبة ونميمة على أعلى مستوى حتى ناهد لم يبقَ كبير ولا صغير محب او مبغض الا و هناها رغم احتقار الأغلبية لها في الحقيقة حزنت لفقدي أحمد ولكني تأكدت أنني لست من النوع الذي يفضله ! اختياره لناهد يوضح أنني أبعد ما أكون عن تفكيره كانت ناهد دائما تقول لي أني مغفلة لن يتقدم لي أي شخص وأنا أخرج هكذا بدون أي زينة وكأنني ذاهبة الى عزاء ! في الوقت الذي كنت انتقد تبرجها السافر ! كنت في نظرها معقدة خجولة وكانت في نظري وقحة منحلة لا أدري لماذا عندما تلتزم المرأة بحجابها وتتحفظ في أسلوبها مع الجنس الآخر يفهم ذلك على أنها معقدة هل الخجل والحياء أصبح في هذا الزمن يقلل من شأن الفتيات الغريب أن يمدح الرجل المرأة المتسترة المهذبة ولكنه يقع بسهولة في مصيدة امرأة أبعد ما تكون عن الحياء والتهذيب !يطلبها محجبة ثم يسألها في يوم وهي في صحبته في الأماكن العامة بغباء مستفز لماذا تبدو شاحبة هكذا بدون أي زينة يريدها مؤدبة ومهذبة ولا تعلم عن حياة الزوجين الخاصة شيء ثم يتهمها بالبرود وقلة الخبرة ! واذا اكتسبت بعض الخبرات من الاخريات اتهمها في شرفها وعفتها هذا التناقض بات يشغلني ويؤرق جميع الفتيات اليوم ! عندما تهزم الوقاحة الحياء ! ويتغلب المظهر على المخبر ! ويسود النفاق على الصدق ! ويطمع القوي في الضعيف ! يجب أن تسقط الأمم ......
بعد خطبة أحمد وناهد قررت أن أترك قسم الجراحة ولكني تراجعت بعد فترة حتى لا يفسر خروجي من القسم تفسيرا لا يعجبني لذا حاولت أن اتجاوز مشاعري السلبية واستمر في عملي حتى اتعلم مواجهة المواقف بدل الهروب منها .. بدأت اكسب رضى جميع من أعمل معهم في قسم الجراحة لأني تعلمت أن لا أعارض بشكل جاف آراء الآخرين في نفس الوقت أنفذ ما أريد بطريقتي الخاصة ! مع الوقت نحن لا نكسب الخبرة في العمل فقط بل في كيفية التعامل ايضا
كنت منهمكة في عملي بشكل لم يتح لي ملاحظة اعجاب د.عبدالله بي حتى نبهتني مرة له ناهد بشكل ساخر ! أخيرا هناك من يهتم بلمى الملاك ! قالت جملتها تلك وكأنها تبسق في وجهي
قلت : د. عبدالله انسان محترم جدا وهو شريكي في بحث نعده في هذه الفترة نظرت إلي نظرة مشككة في صدق كلامي وقالت : لا يهم كنت أظن أن مثلك لن يلفت نظر ممرض
رددت : مثلك يهتم بلفت الأنظار ومثلي يهتم بغض البصر ! تركتها وخرجت من غرفة الطبيبات .. في الحقيقة لم يزعجن كلامها أبدا بالعكس أحسست بسعادة تغمرني !هل يعقل أن يعجب بي فعلا د.عبدالله لقد فقدت الثقة بنفسي فترة طويلة لدرجة أنه لم يعد لي أمل في الزواج ! الغريب أن أرى كل هذا الحقد في عيني ناهد رغم أنها مخطوبة لطبيب لا يقل شأنا عن د.عبدالله يا الهي ! هل أنا في حلم جميل أم هي الحقيقة بعد أسبوع واحد من حديثي مع ناهد تقدم عبدالله فعلا لخطبتي التي تمت في آخر الشهر تقريبا .. سعادتي وقتها كانت غامرة لم أكن أحلم يوما أن اقترن بعبدالله الطبيب الماهر الذي عرف بقوة شخصيته وتدينه ..
ترى هل ستبتسم لي أخيرا الحياة .. لنرى
ي..ت..ب..ع
بداية القصة الجامدة من هنا من الحلقات الجاية;(